فصل: تفسير الآيات (123- 124):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (123- 124):

{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزِلِينَ (124)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُم اللَّه بِبَدْرٍ} وبدر موضع بين مكة والمدينة وهو اسم لموضع، وعليه الأكثرون وقيل: اسم لبئر هناك، وقيل: كانت بدر بئرًا لرجل يقال له بدر، قاله الشعبي وأنكر الآخرون عليه.
يذكر الله تعالى في هذه الآية منَّتَه عليهم بالنصرة يومَ بدر، {وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} جمع: ذليل وأراد به قلة العدد فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فنصرهم الله مع قلة عددهم، {فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
{إِذْ تَقُول لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ} اختلفوا في هذه الآية فقال قتادة: كان هذا يوم بدر أمدهم الله تعالى بألفٍ من الملائكة كما قال: {فاستجابَ لكم أني مُمدكم بألفٍ من الملائكة} [الأنفال- 9] ثم صاروا ثلاثة آلاف ثم صاروا خمسة آلاف كما ذكر هاهنا {بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزِلِينَ}.

.تفسير الآية رقم (125):

{بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)}
{بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} فصبروا يوم بدر فاتقوا فأمدهم الله بخمسة آلاف كما وعد قال الحسن: وهؤلاء الخمسة آلاف رِدْءُ المؤمنين إلى يوم القيامة.
وقال ابن عباس ومجاهد: لم تقاتل الملائكة في المعركة إلا يوم بدر، وفيما سوى ذلك يشهدون القتال ولا يقاتلون، إنما يكونون عددًا ومددًا.
قال محمد بن إسحاق: لما كان يوم أُحد انجلى القوم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبقي سعد بن مالك يرمي وفتًى شابٌ يتنبَّل له كلما فني النبل أتاه به فنثره فقال ارم أبا إسحاق مرتين، فلما انجلت المعركة سئل عن ذلك الرجل يُعرف.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أنا عبد العزيز بن عبد الله، أنا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن جده، عن سعد بن أبي وقاص قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد ومعه رجلان يقاتلان عنه عليهما ثياب بيض كأشَدِّ القتالِ ما رأيتهما قبل ولا بعد.
ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، قال أخبرنا محمد بن بشر وأبو أسامة، عن مسعر، عن سعد بن إبراهيم، عن أبيه، عن سعد يعني ابن أبي وقاص قال: «رأيت عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض ما رأبتهما قبل ولا بعد» يعني: جبريل وميكائيل.
وقال الشعبي: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين يوم بدر: أن كرز بن جابر المحاربي يريد أن يمدّ المشركين فشق ذلك عليهم، فأنزل الله تعالى: {أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ} إلى قوله: {مُسَوِّمِينَ} فبلغ كرزًا الهزيمةُ فرجع فلم يأتهم ولم يمدّهم فلم يمدّهم الله أيضا بالخمسة آلاف، وكانوا قد أمدوا بألف.
وقال الآخرون: إنما وعد الله تعالى المسلمين يوم بدر إن صبروا على طاعته واتقوا محارمه: أن يمدَّهم أيضًا في حروبهم كلهِّا فلم يصبروا إلا في يوم الأحزاب، فأمدّهم الله حتى حاصروا قُريظة والنضير، قال عبد الله بن أبي أوفى: كنا محاصري قريظة والنضير ما شاء الله فلم يُفتح علينا فرجعنا فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسْلٍ فهو يغسل رأسه إذْ جاءه جبريل عليه السلام، فقال: وضعتم أسلحتكم ولم تضع الملائكة أوزارها؟ فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخرقة فلف بها رأسه ولم يغسله، ثم نادى فينا فقمنا حتى أتينا قريظة والنضير فيومئذ أمدنا الله تعالى بثلاثة آلاف من الملائكة، ففتح لنا فتحا يسيرا.
وقال الضحاك وعكرمة: كان هذا يوم أُحد وَعَدهم الله المدَد إن صبرُوا فلم يصبروا فلم يمُدوا به.
قوله تعالى: {أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ} والإمداد: إعانة الجيش بالجيش، وقيل: ما كان على جهة القوة والإعانة يقال فيه: أمده إمدَادًا وما كان على جهة الزيادة يقال: مدّه مّدًا، ومنه قوله تعالى: {والبحرُ يمده} [لقمان- 27] وقيل: المدّ في الشر والإمدادُ في الخير، يدل عليه قوله تعالى: {ويمُدُّهم في طغيانهم يعمهون} [البقرة- 15] {ونَمُدُّ له من العذاب مّدًا} [مريم- 79] وقال في الخير: {أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} وقال: {وأمددناكم بأموالٍ وبنين} [الإسراء- 26].
قوله تعالى: {بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزِلِينَ} قرأ ابن عامر بتشديد الزاي على التكثير لقوله تعالى: {ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة} [سورة الأنعام- 111] وقرأ الآخرون بالتخفيف دليله قوله تعالى: {لولا أنزل علينا الملائكة} [الفرقان- 21] وقوله: {وأنزل جنودا لم تروها} [التوبة- 26].
ثم قال: {بَلَى} نمدُّكم {إِنْ تَصْبِرُوا} لعدوكم {وَتَتَّقُوا} أي: مخالفة نبيكم {وَيَأْتُوكُمْ} يعني المشركين {مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا} قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والحسن وأكثر المفسرين: من وجههم هذا، وقال مجاهد والضحاك: من غضبهم هذا، لأنهم إنما رجعوا للحرب يوم أحد من غضبهم ليوم بدر، {يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ} لم يرد خمسة آلاف سوى ما ذكر من ثلاثة آلاف بل أراد معهم وقوله: {مُسَوِّمِينَ} أي: معلمين قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بكسر الواو وقرأ الآخرون بفتحها فمن كسر الواو فأراد أنهم سَوّموا خيلهم ومن فتحها أراد به أنفسهم، والتسويم: الإعلام من السَّومة وهي العلامة.
واختلفوا في تلك العلامة فقال عروة بن الزبير: كانت الملائكة على خيل بُلق عليهم عمائم صُفر، وقال علي وابن عباس رضي الله عنهم: كانت عليهم عمائم بيض قد أرسلوها بين أكتافهم، وقال هشام بن عروة والكلبي: عمائم صفر مرخاة على أكتافهم وقال الضحاك وقتادة: كانوا قد أعلموا بالعهن في نواصي الخيل وأذنابها، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم بدر: «تَسوَّمُوا فإن الملائكة قد تسوّمتْ بالصوف الأبيض في قلانسهم ومغافرهم».

.تفسير الآيات (126- 129):

{وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)}
قوله تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا} يقول: لقد نصركم الله ببدر ليقطع طرفًا أي: لكي يهلك طائفة من الذين كفروا وقال السدي: معناه ليهدم ركنًا من أركان الشرك بالقتل والأسر، فقُتل من قادتهم وسادتهم يوم بدر سبعون وأُسر سبعون ومن حَمَلَ الآية على حرب أُحد فقد قتل منهم يومئذ ستة عشر وكانت النصرة للمسلمين حتى خالفوا أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فانقلب عليهم، {أَوْ يَكْبِتَهُمْ} قال الكلبي: يهزمهم وقال يمان: يصرعهم لوجوههم، قال السدي: يلعنهم، وقال أبو عبيدة: يهلكهم، وقيل: يحزنهم، والمكبوت: الحزين وقيل أصله: يكبدهم أي: يصيب الحزن والغيظ أكبادَهم، والتاء والدال يتعاقبان كما يقال سَبَتَ رأسه وسَبَده: إذا حلقه، وقيل: يكبتهم بالخيبة، {فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} ينالوا شيئا مما كانوا يرجون من الظفر بكم.
قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ} الآية، اختلفوا في سبب نزول هذه الآية فقال قوم: نزلت في أهل بئر معونة، وهم سبعون رجلا من القراء، بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بئر معونة في صفر سنة أربع من الهجرة على رأس أربعة أشهر من أُحد ليُعلِّموا الناس القرآن والعلمَ أميرهم المنذر بن عمرو، فقتلهم عامر بن الطفيل فَوَجَدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وَجْدًا شديدًا، وقنت شهرًا في الصلوات كلها يدعو على جماعة من تلك القبائل باللّعن والسّنين فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ}.
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي، أنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا حبان بن موسى، أخبرنا عبد الله يعني ابن المبارك، أخبرنا معمر، عن الزهري، حدثني سالم، عن أبيه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر: «اللهم العن فلانا وفلانا وفلانا بعد ما يقول: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد» فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}.
وقال قوم: نزلت يوم أُحد، أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر أنا عبد الغافر بن محمد، أخبرنا محمد بن عيسى الجلودي، أخبرنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، أخبرنا مسلم بن الحجاج، أخبرنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كُسرت رباعيتُه يوم أُحد وشُجَّ في رأسه، فجعل يسلتُ الدم عنه ويقول: «كيف يُفلحُ قومٌ شجوا رأس نبيهم، وكسروا رباعيته، وهو يدعوهم إلى الله عز وجل» فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ}.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد: «اللهم العن أبا سفيان اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن صفوان بن أمية» فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} فأسلموا وحسن إسلامهم.
وقال سعيد بن المسيب ومحمد بن إسحاق لما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون يوم أُحد ما بأصحابهم من جدع الآذان والأنوف وقطع المذاكير، قالوا: لئن أدالنا الله تعالى منهم لنفعلن بهم مثل ما فعلوا، ولنمثلن بهم مثلة لم يمثلها أَحدٌ من العرب بأَحَد فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقيل: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو عليهم بالاستئصال فنزلت هذه الآية وذلك لعلمه فيهم بأن كثيرًا منهم يسلمون. فقوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ} أي: ليس إليك، فاللام بمعنى إلى كقوله تعالى: {ربنَّا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان} [سورة آل عمران- 193] أي: إلى الإيمان: قوله تعالى: {أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ} قال بعضهم: معناه حتى يتوب عليهم أو: إلى أن يتوب عليهم، وقيل: هو نسق على قوله: {ليقطعَ طَرفًا} وقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأمْرِ شَيْءٌ} اعتراض بين نظم الكلام ونظم الآية ليقطعَ طرفًا من الذين كفروا أو يكبتَهم أو يتوبَ عليهم أو يعذبَهم فإنهم ظالمون، ليس لك من الأمر شيء، بل الأمرُ أمري في ذلك كله.
ثم قال: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ يَغْفِر لِمَنْ يَشَاء وَيُعَذِّب مَنْ يَشَاء وَاللَّه غَفُورٌ رَحِيمٌ}.

.تفسير الآيات (130- 131):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)}
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} أراد به ما كانوا يفعلونه عند حلول أجل الدَّين من زيادة المال وتأخير الطلب، {وَاتَّقُوا اللَّهَ} في أمر الرِّبا فلا تأكلوه، {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}.
ثم خوفهم فقال: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}.

.تفسير الآيات (132- 133):

{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)}
{وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكي ترحموا.
{وَسَارِعُوا} قرأ أهل المدينة والشام سارعوا بلا واو، {إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} أي بادروا وسابقوا إلى الأعمال التي تُوجب المغفرة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: إلى الإسلام، وروي عنه: إلى التوبة، وبه قال عكرمة، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إلى أداء الفرائض، وقال أبو العالية: إلى الهجرة، وقال الضحاك: إلى الجهاد، وقال مقاتل: إلى الأعمال الصالحة. رُوي عن أنس بن مالك أنها التكبيرة الأولى.
{وَجَنَّةٍ} أي وإلى جنة {عَرْضُهَا السَّمَاوَات وَالأرْضُ} أي: عرضها كعرض السموات والأرض، كما قال في سورة الحديد: {وجنة عرضها كعرض السماء والأرض} [سورة الحديد- 21] أي: سَعَتُها، وإنما ذكر العرض على المبالغة لأن طول كل شيء في الأغلب أكثر من عرضه يقول: هذه صفة عَرْضِها فكيف طُولها؟ قال الزهري: إنما وصف عرضها فأما طولُها فلا يعلمه إلا الله، وهذا على التمثيل لا أنها كالسموات والأرض لا غير، معناه: كعرض السموات السبع والأرضين السبع عند ظنكم كقوله تعالى: {خالدين فيها ما دامت السمواتُ والأرضُ} [سورة هود- 107] يعني: عند ظنكم وإلا فهما زائلتان، وروي عن طارق بن شهاب أن ناسًا من اليهود سألوا عمر بن الخطاب وعنده أصحابه رضي الله عنهم وقالوا: أرأيتم قوله: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَات وَالأرْضُ} فأين النار؟ فقال عمر: أرأيتم إذا جاء الليل أين يكون النهار، وإذا جاء النهار أين يكون الليل؟ فقالوا: إنه لمثلها في التوراة ومعناه أنه حيث يشاء الله.
فإن قيل: قد قال الله تعالى: {وفي السماء رزقُكم وما تُوعَدُون} [سورة الذاريات- 22] وأراد بالذي وعَدَنا: الجنة فإذا كانت الجنة في السماء فكيف يكون عرضُها السموات والأرض؟ وقيل: إن باب الجنة في السماء وعرضها السموات والأرض كما أخبر، وسُئل أنس بن مالك رضي الله عنه عن الجنة: أفي السماء أم في الأرض؟ فقال: وأي أرض وسماء تسع الجنة؟ قيل: فأين هي؟ قال: فوق السموات السبع تحت العرش. وقال قتادة: كانوا يرون أن الجنة فوق السموات السبع وأن جهنم تحت الأرضين السبع {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}.

.تفسير الآية رقم (134):

{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)}
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ} أي: في اليُسر والعُسر فأول ما ذكر من أخلاقهم الموجبة للجنة ذكر السَّخَاوةَ وقد جاء في الحديث. أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا أبو عمرو الفراتي، أخبرنا أبو العباس أحمد بن إسماعيل العنبري، أخبرنا أبو عبد الله بن حازم البغوي بمكة، أخبرنا أبو صالح بن أيوب الهاشمي، أخبرنا إبراهيم بن سعد، أخبرنا سعيد بن محمد، عن يحيى بن سعيد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السَّخيُّ قريبٌ من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيدٌ من النار، والبخيلُ بعيد من الله بعيدٌ من الجنة بعيد من الناس قريب من النار، والجاهل السخي أحب إلى الله من عابد بخيل».
{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} أي: الجارعين الغيظَ عند امتلاء نفوسهم منه، والكظم: حبس الشيء عند امتلائه وكظم الغيظ أن يمتلئ غيظًا فيردّه في جوفه ولا يُظهره. ومنه قوله تعالى: {إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين} [سورة غافر- 18] أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا أبو عمرو الفراتي، أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد الإسفرايني، أخبرنا أبو عبد الله بن محمد زكريا العلاني، أخبرنا رَوح بن عبد المؤمن، أخبرنا أبو عبد الرحمن المُقْري أخبرنا سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني أبو مرحوم عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كظم غيظًا وهو يقدر على أن ينفذَه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيّره من أيّ الحور شاء».
{وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} قال الكلبي عن المملوكين سوء الأدب، وقال زيد بن أسلم ومقاتل: عمّن ظلمهم وأساء إليهم. {وَاللَّه يُحِبّ الْمُحْسِنِينَ}.